اليد في العجين:
نحو تدريس أفضل للعلوم
رشيد نجيب *
يراهن النظام التعليمي المغربي على تشجيع التوجه العلمي
لدى المتعلمين، ويراهن على تنمية هذا الاتجاه لديهم انطلاقا من المدرسة الأساسية
بتحبيب العلوم بشتى أنواعها إليهم. ويعتبر مشروع اليد في العجين الوسيلة المثلى
لتحقيق هذه الغاية.
لقد ابتكر العالم الفرنسي جورج شارباك الحائز على جائزة
نوبل في الفيزياء لسنة 1992، وكذا الجائزة السنوية التي تمنحها أكاديمية باريس
للعلوم مشروعا تربويا جديدا أسماه "اليد في العجين". ويهدف من خلاله إلى
تنمية طرق البحث والتجريب العلميين داخل المدرسة الأساسية من خلال تطوير تدرسي
مادتي العلوم والتكنولوجيا والأعمال اليدوية بالسلك الأول من التعليم وجعل العلوم
في متناول الجميع، لاسيما الأطفال الصغار الشغوفين إلى المعرفة العلمية.
في المغرب، انطلق العمل بهذا المشروع التربوي منذ الموسم
الدراسي 97/98 ، وقد اقتصر الأمر في هذه المرحلة التجريبية على أربع نيابات
تعليمية فقط باحتضان من مصلحة التعاون التربوي الفرنسي المغربي تحت إشراف قسم
تنمية المشاريع التربوية التابع للمصالح المركزية لوزارة التربية الوطنية. وكان من
المنتظر أن يتم تعميم التجربة على جميع المؤسسات التعليمية الابتدائية وخاصة تلك
المتواجدة بالعالم القروي، علما أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين يشير في
دعامته الثالثة إلى: تعزيز الجانب العلمي بمؤسسات التربية والتكوين وفق منهج
تجريبي تتحدد سبله كما يلي:
- تدعيم الأشغال اليدوية والأنشطة التطبيقية في جميع
مستويات التعليم.
-
تشجيع وتوسيع التعاون بين المؤسسات التربوية والتكوينية والمقاولات والتعاونيات
والحرفيين بالمدن والقرى وفي إطار عقود للتمرس والتكوين بالتناوب.
- تنظيم
تمارين تطبيقية وتداريب توافق بين المتعلمين ومستواهم الدراسي.
نعود
للأكاديمي الفرنسي جورج شارباك الذي يعتقد أن نمط ونظام التربية المتبعين هما
المسؤولان عن مستوى التنمية الموجودة بالمجتمع: فكلما كان هذا النظام متسما
بالجودة الحقيقية كلما كانت معدلات التنمية البشرية ومؤشراتها مرتفعة والعكس صحيح.
بمعنى أن التربية مرتبطة بجودة المنظومة التربوية بكافة المكونات المتضمنة بها. وبالرغم
من بعض الصعوبات التي تميز هذه المنظومة نظرا لمجموعة من التحديات التي باتت تفرض
نفسها، إلا أنه - وحسب العالم شارباك دائما – يمكن مواجهة هذه الصعوبات بربط علائق
بين المجتمع والمدرسة، هنا نستحضر جميعا المقولة السائرة على لسان كل مرب معاصر:
"أهمية ربط المدرسة بالمحيط"، وهو ما يعني انفتاح المدرسة على محيطها
بجميع مكوناته الطبيعية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية...الخ
من
هذا المنطلق، راهن الفيزيائي الفرنسي شارباك على إصلاح أخطاء المجتمع وتقويمها
انطلاقا من التربية والنظام التربوي الذي تلقى على كاهله وظائف تكوين مواطن مساهم
في تجديد معارفه وتنمية مهاراته بنفسه، متشبع بالثقافة العلمية الأساسية، مؤمن
بالعلم والمعرفة والإبداع...
ومن
أجل إيصال روح العلوم والمعارف إلى قلوب الأفكار، وتحت شعار: "عقل يفكر ويد
تعمل"، وأمام سيطرة الطريقة التلقينية التقريرية المباشرة في تدريس العلوم...جاء
مشروع "اليد في العجين" كطريقة وتقنية جديدة لتدريس وتطبيق العلوم رابطا
بين النظرية والتجربة التطبيقية لها في تجاوز تام للطرائق المتبعة والمعتمدة حاليا
في تدريس الأنشطة العلمية وتقريب المفاهيم. فهذا المشروع يتوخى إضفاء دينامية
جديدة على عملية تعليم وتعلم العلوم والمواد التكنولوجية بالمدرسة الأساسية داخل
إطار من التجديد التربوي والبيداغوجي يربط بين الفكر والعمل، فالتلاميذ ينجزون
التجارب بأنفسهم ويقارنون وجهات النظر الأخرى ويتيقنون من صحة النتائج المتوصل
إليها.
هكذا
إذن تبنى المعارف العلمية من خلال مشروع اليد في العجين عبر عدة عمليات هي:
الاستكشاف، البحث، التجريب، النقاش...وباعتماد: أخذ فضول التلاميذ إزاء العالم وكل
الأسئلة التي يطرحونها حوله، البحث بمعية التلاميذ عن عناصر الأجوبة، تحفيز
التلاميذ إلى التعبير عن النتائج المحصل عليها بعد القيام بالتجارب وفهم العلاقات
العلمية مما من شأنه أن يساهم كذلك في تدعيم التعلمات اللغوية عند المتعلم.
ويعتبر
"دفتر التجارب" الوسيلة والأداة الرئيسية ضمن هذا المشروع، طبعا دون
إغفال باقي الوسائل التعليمية الأخرى. فكل تلميذ يتوفر على كراسة خاصة بالتجارب
المنجزة والملاحظات المرصودة، فيها يدون بكلماته خلاصاته واستنتاجاته المتوصل
إليها. وتكون هذه الكراسة في شكل مصنف أو ملف للوثائق، وهي بمثابة وسيط بين تعلم
العلوم وإتقان اللغة التي تدرس بها هذه العلوم خاصة في الشق الكتابي. وفيها يكتب
المتعلم مباشرة معبرا عما يفكر فيه ويرسم ما لاحظه وجربه. يضمنها أيضا تقارير عن
أبحاثه خارج الفصل الدراسي كما يسرد فيها خلاصاته الفردية والجماعية التي يتوصل
إليها داخل جماعة الفصل.
----------------------------------------
*
مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين / كلميم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق